الاستثمار في الأسهم الدفاعية: الأمان وقت الأزمات

في عالم الاستثمار، لا تسير الأسواق دائمًا على وتيرة واحدة. فبين فترات الانتعاش والانكماش، يبحث المستثمر الذكي عن أدوات قادرة على توفير نوع من الاستقرار والحماية. هنا يظهر دور الأسهم الدفاعية، التي غالبًا ما تُوصف بأنها ملاذ آمن في الأوقات الصعبة.
هذا النوع من الأسهم لا يزدهر فقط في فترات النمو، بل يثبت مكانته عندما تتراجع المؤشرات وتضطرب الأسواق. في هذا المقال، سنتعرف على مفهوم الأسهم الدفاعية، ولماذا تُعتبر خيارًا استثماريًا جذابًا في أوقات الأزمات، وما هي القطاعات التي تنتمي إليها، مع أمثلة من السوق الخليجي والعالمي.
ما المقصود بالأسهم الدفاعية؟
الأسهم الدفاعية هي أسهم الشركات التي تقدم منتجات أو خدمات ضرورية لا يمكن للمستهلكين الاستغناء عنها، حتى في أوقات الركود أو الأزمات الاقتصادية. ويشمل ذلك شركات في قطاعات مثل الغذاء، الأدوية، والمرافق العامة.
ما يميز هذه الأسهم هو:
- الطلب المستقر: منتجاتها تُستهلك بشكل يومي، مثل السلع الغذائية أو الأدوية.
- الاستقرار في الإيرادات: تحقق تدفقات نقدية ثابتة نسبيًا حتى في الأزمات.
- التوزيعات المنتظمة: العديد من هذه الشركات لديها سجل طويل في توزيع الأرباح.
- انخفاض التقلب: تميل إلى التذبذب أقل من السوق بشكل عام، ما يجعلها جذابة للمستثمرين المحافظين.
بالمقارنة، تُظهر الأسهم الدورية – مثل أسهم شركات السيارات أو السفر – أداءً أفضل في أوقات الانتعاش، لكنها أكثر عرضة للتراجع أثناء الأزمات، على عكس الأسهم الدفاعية.
لماذا تُعتبر الأسهم الدفاعية ملاذًا آمنًا في الأزمات؟
عندما تدخل الأسواق في حالة من الاضطراب بسبب الركود أو الأزمات الجيوسياسية أو الصحية، تبدأ معظم الأسهم بالتراجع نتيجة انخفاض الثقة الاستهلاكية وتباطؤ النمو. لكنها غالبًا ما تظهر مقاومة لهذه التقلبات، بل وقد تستقر أو حتى ترتفع قيمتها مقارنة ببقية السوق.
الأسباب الرئيسية لذلك:
- استمرارية الطلب على المنتجات الأساسية.
- توزيعات أرباح منتظمة.
- تقلبات منخفضة.
- أداء تاريخي قوي خلال الأزمات.
مثال عملي: في السوق الأمريكي، تراجعت المؤشرات بشكل حاد خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، لكن أسهم مثل Johnson & Johnson أو Procter & Gamble حافظت على أداء ثابت نسبيًا. وفي السوق الخليجي، نجد شركات الغذاء أو الطاقة المستقرة نسبيًا مقارنةً بالشركات العقارية أو السياحية.
هذا هو السبب في أن المستثمرين غالبًا ما يتجهون نحو هذه الأسهم عند الحاجة إلى “تحصين” محافظهم الاستثمارية ضد المخاطر غير المتوقعة. يمكنك أيضًا مراجعة مقالنا حول مخاطر المحفظة الاستثمارية لفهم العلاقة بين الأسهم الدفاعية وإدارة المخاطر.
أهم القطاعات المرتبطة بالأسهم الدفاعية
1. قطاع الأغذية والمشروبات
يُعتبر من أكثر القطاعات الدفاعية ثباتًا، لأن الناس لا يتوقفون عن شراء المواد الغذائية. أمثلة خليجية: “المراعي” و”صافولا” في السعودية، أو “أغذية” في الإمارات.
2. قطاع الرعاية الصحية
الصحة لا تنتظر تحسّن الاقتصاد. الطلب على الأدوية والخدمات الطبية يبقى ثابتًا في مختلف الظروف.
3. قطاع المرافق العامة (Utilities)
تشمل الشركات التي تقدم خدمات أساسية كالكهرباء، الماء، الغاز، والاتصالات. غالبًا ما تُعتبر استثمارات آمنة، وتدخل ضمن المحافظ المستقرة طويلة الأجل.
أمثلة على أسهم دفاعية في السوق الخليجي والعالمي
لمن يبحث عن تطبيق عملي لمفهوم الأسهم الدفاعية، فإن الاطلاع على أمثلة واقعية من الأسواق المختلفة يمكن أن يوضح الصورة بشكل أكبر.
- في السوق الخليجي: المراعي، شركة الاتصالات السعودية STC، شركة أبوظبي الوطنية للطاقة.
- في السوق العالمي: Johnson & Johnson، Procter & Gamble، Coca-Cola.
الاستثمار في هذه النوعية من الشركات يُوفّر عنصر الأمان للمحفظة. ويمكن دمجها مع الأسهم ذات العائد المتغير لتحقيق توازن أكبر بين الاستقرار والعوائد.
هل تناسب الأسهم الدفاعية جميع المستثمرين؟
رغم أن الأسهم الدفاعية توفّر نوعًا من الاستقرار، إلا أن السؤال الأهم هو: هل هذا النوع من الاستثمار مناسب للجميع؟
متى تكون مناسبة؟
- للمستثمرين المحافظين.
- لفترات عدم اليقين.
- للمستثمرين التقاعديين.
متى تكون غير كافية؟
- إذا كنت تسعى لنمو رأس المال سريعًا.
- في فترات الانتعاش الاقتصادي.
التوازن هو المفتاح. دمج الأسهم الدفاعية مع أسهم النمو أو القطاعات الدورية يُحقق أفضل نتائج. هنا ننصح بالاطلاع على التحليل الأساسي مقابل الفني لفهم كيفية تقييم الأسهم الدفاعية مقارنة بالأنواع الأخرى.
كيفية دمج الأسهم الدفاعية في المحفظة الاستثمارية
إذا كنت تخطط لبناء محفظة متوازنة ومرنة، فإن دمجهما يُعد خطوة استراتيجية مهمة.
- تحديد نسبة مناسبة للأسهم الدفاعية.
- اختيار القطاعات بعناية.
- التركيز على الجودة وليس السعر فقط.
- مراقبة الأداء دوريًا.
خلاصة
الأسهم الدفاعية هي حجر أساس في أي محفظة استثمارية تبحث عن الاستقرار وتقليل المخاطر. لكنها ليست كافية لتحقيق نمو مرتفع، لذلك يجب دمجها مع أدوات وأساليب استثمارية أخرى.
وفي النهاية، الأسهم الدفاعية لا تُغني عن الاستراتيجية الشاملة، لكنها تبقى أحد أعمدتها الأساسية، خاصةً للمستثمر الذكي الذي يُدير محفظته بعين على الاستقرار وأخرى على المستقبل.